إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
82528 مشاهدة
الصفة الأولى الخيانة

...............................................................................


في هذا الحديث أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بعلاماتهم أخبر بعلاماتهم يقول: إن للمنافق علامات ذكر منها أربع: العلامة الأولي: الخيانة إذا اؤتمن خان والثانية: الكذب إذا حدث كذب والثالثة: الغدر إذا عاهد غدر والرابعة: الفجور إذا خاصم فجر ومعنى ذلك أن هذه علامات يعرف بها أن هذا من المنافقين، فمتى اجتمعت فيه عرف بذلك أنه منافق؛ بمعنى أنه يظهر الإيمان ويبطن الكفر، وأن هذه العلامات دليل على أن قلبه كافر، وأنه مع المؤمنين في الظاهر ومع الكفار في الباطن، وأنه على المؤمنين وليس معهم وليس لهم.
لا شك أن هذه الخصال خصال مذمومة، وتدل على بشاعة وقلة إيمان من اتصف بها, وإذا اتصف المسلم بواحدة منها تبين أنه ناقص الإيمان.
فالخيانة معناها عدم الأمانة إذا اؤتمن خان الأمانة قد تكون وديعة مالية، وقد تكون سرا من الأسرار، وقد تكون مالا أو دينا يكون عند الإنسان واجب عليه أن يؤدي هذه الأمانة، ولا يخون فيها، قال الله تعالى: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ متى أُمن الإنسان على أمانة فعليه أداؤها، وقال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ . أي مراقبون لها وراعون لها؛ فهذا دليل على أن أداء الأمانة من صفة أهل الإيمان وأهل الصلاة، فخيانة الأمانة تعتبر من صفات المنافقين.
إذا كانت الأمانة وديعة فخيانتها أن يأخذ منها, إذا أودعت عنده دراهم في كيس أو نحوه فإنه يتجرأ ويأخذ منها, وإذا ردها عليك قال: ما أخذت هذا الذي أودعتني، ومن الخيانة إنكارها، وجحدها أن يقول: ما أودعت عندي شيئا ولا أعرفك، وليس لك عندي وديعة، ولا أعرف أنك أتيتني، فينكر ذلك يريد أن يستبد بها وأن يأخذها لنفسه.
كذلك أيضا من الخيانة إنكار الديون؛ الدين الذي عنده لك ينكره، ويقول: ليس عندي شيء ولا أعرف أني استدنت لك، أو قد أوفيتك وأعطيتك فيكون ذلك خيانة منه لهذا الدين الذي ائتمنته، وأعطيته ووثقت به ولم تثبته ولم تكتب عليه شيئا، أو ادعى أنه أوفاك وهو لم يوفك يعتبر هذا أيضا خيانة.
ومن الخيانة أيضا خيانة الأسرار، الإنسان قد يطلع على أسرار أخيه ثم يكون هذا السر أمانة، تقول له: لا تطلع أحدا على ما أسررت إليك، إذا أسررت إليه خبرا أو أمرا من أمرك أنت، تقول: أني استفدت كذا ولا أحب أن يطلع عليه أحد، أني تعاملت مع فلان بكذا ولا أحب أن يطلع على ذلك أحد، أني أريد أن أعامل فلانا بكذا ولا أحب أن يفشو هذا الأمر؛ فيعتبر هذا سرا فإذا أفشي هذا السر الذي أخبرته اعتبر هذا خيانة لهذه الوديعة؛ أي لهذه الأمانة التي ائتمنته عليها.
ولا شك أن في إفشاء هذه الأسرار وفي خيانتة لهذه الأمانات ضرر على المسلمين، ضرر على هذا الذي أفشي سره وأبيح أمره، وانتشر ذكر عمله الذي لا يحب أن يطلع عليه أحد، إذا أطلعته على مالك وعلى ذخائرك وعلى ودائعك وما أشبه ذلك، أو أطلعته على سر بينك وبين أهلك أو معاملة بينك وبين صديق، فلا يجوز له أن يفشي ذلك فإذا أفشاه فقد خان الأمانة.